الغلاف الجوي كائن حي (مجازيا)
لو سألنا الطبيب الحاذق الماهر، ماهو وزن جاره اللصيق زيد الذي يعرفه جيدا ويراه يوميا وباستمرار خلال مدة سنة، مع ملاحظة أننا نريد رقم واحد، هنا وبسرعة يصعّد الطبيب زيدا على الميزان، ويسجل أن وزنه هو ٨٠ كيلوجرام، ثم بعد وقت تناول زيد وجبة الريوق ، ولأجل الدقة سجل الطبيب وزنه بعد تلك الوجبة فصار وزنه ٨٠،٥ كجم، ذهب زيد الى عمله وعاد بعد ثمان ساعات من العمل، وهنا سجل الطببب وزن زيد فلاحط انه صار ٧٩،٨٠ كجم، وهنا تناول زيد وجبة غدائه الرئيسية الدسمة، فأخذ وزنه الطبيب فكان وزنه ٨١،٧٠ كجم، ثم بعد ان ارتاح زيد، قام ليمارس هوايته في المشي السريع في ممشى المنطقة، وبعد ان مشى زيد ساعة كاملة وعرق كثيرا لأن الجو كان حارا، رجع ومر على جاره الطبيب الذي اخذ وزنه فكان ٧٩،٥ كجم، فطلب ماء فاترا فشرب ليترا وطلب من الطبيب أخذ وزنه مجددا فصار ٨٠،٥ كجم، ثم ذهب زيد الى داره ودخل دار الخلاء ثم اخذ دش ماء وخرج ونام فورا، قام صباحا ومر على الطبيب فأخذ وزنه فكان وزنه ٧٩ كجم.
وعلى نفس هذا المنوال ولمدة سنة الطبيب يأخذ وزن جاره زيد ، حيث لاحظ الطبيب ان وزن جاره يتغير باستمرار، حسب اكله ونشاطه ، حيث لاحظ الطبيب أن مقدار الزيادة في وزنه يختلف من بعد وجبة و وجبة، وكذلك وزنه يتغير بعد ممارسته هواية المشي او الركض حسب حرارة الجو الخارجية وهذا متغير بشكل ديناميكي متواصل صعودا وهبوطا رغم انه في النهاية هو محافظ على وزنه وبشكل طبيعي ودون تكلف.
وبعد مضي تلك السنة كان جواب الطبيب ان وزن زيد هو ٨٠ (+ أو -) ٢ كجم. قبل كم سنة قام النمساوي فيليكس بعمل اكبر قفزة حرة لأنسان من إرتفاع ٣٩ كيلومترا، وبثت عملية الصعود و القفزة مباشرة على الهواء، وإثناء الصعود كان يبث على الشاشة أيضا درجة الحرارة والضغط الجوي، فقمت بتسجيل تلك القراءات الى ان وصل فيليكس الى ذلك الإرتفاع، ثم قمت بمراجعة ومقارنة تلك القراءات مع ما هو مدون في مواصفات الغلاف الجوي الأمريكي المعياري US Standard Atmosphere, والذي تأخذ قراءاته من قبل من يقومون بتصميم الطائرات والصواريخ وغيرها من الأمور الهندسية حيث ينبغي ان يكون هناك توصيف موحد لمواصفات الغلاف الجوي.
أما بشكل عملي ويومي حين تأخذ القياسات فسوف تجدها تختلف من يوم ليوم، ذلك انه كما عنونا المقالة لأن الغلاف الجوي هو حي، حي أي متغير، حيث تتغير درجة حرارته وضغطه كثافته و كمية الرطوبة والعوالق بمختلف انواعها عند كل أرتفاع و عند تغير الإرتفاع، ومع ذلك فأنه يعمل قراءات تأخذ كمعيار متوسط، وتتأرجح القيم الفعلية حواليها، وعليه لوقلنا ان الحرارة القياسية المعيارية على ارتفاع ١٠ كم هو - ٥٠ درجة مئوية، ثم أرسلنا بالونا لقياس الحرارة فعلا فقد تكون في - ٤٥ وفي يوم - ٥١ درجة مئوية، كل ذلك لأن الغلاف الجوي هو كائن حي، فلا تتوقع منه الثبات.
إنما ضربنا هذا المثال، لنبين أن الفرق بين الزاوية ١٧ و ١٨ هو درجة قوسية واحدة أي ٤ دقائق زمنية بالمعدل ، والفرق بين ١٥ و ١٨ هو ٣ درجات أي ما يعادل ١٢ الى ١٥ دقيقة زمنية، وهذا الفوارق الدرجاتية والزمنية هي ضمن المدى المتأرجح وبشكل طبيعي مع الغلاف الجوي، أما الإصطلاح، فهو ما اصطلح عليه الناس، لضبط الأمور إجمالا، والواقع قد يطابق ما اصطلح عليه إجمالا، و إلا بدقة فهناك تغير مستمر في القيم.
أستعملت مرارا جهاز يقيس إضاءة السماء ولنقل لحظة غروب الشمس، فوجدت ان القراءة تختلف يوميا، وهذا شيئ طبيعي، فمرات تكون السماء صافية جدا لحظة الغروب وتكون إضاءة السماء عالية، ومرات تكون السماء مغيمة وأحيانا مغبرة، وكل يوم تكون قراءة إضاءة السماء لحظة الغروب مختلفة عن الأيام الأخرى